المسجد

3 ـ المسجد :

تعريف المسجد :
المسجد هو الإشعاع الروحي والعلمي لأنه مكان العبادة والتعليم وموطن للتذكير والتوجيه والتفقه في الدين لم يقتصر دور المسجد على الناحية الدينية فقط ، بل مكان لاستقبال الوفودوانطلاق الجيوش والبعثات السياسية والدينية.


أهل المسجد:
S    الإمام
S    المؤذن
S    المصلون
S    المدرسون المرشدون
الوظائف الأساسية للمسجد في صدر الإسلام:
·       التفقه في الدين
·       تعليم الشجاعة
·       إدارة شؤون المسلمين
·       قيادة المعارك الحربية
·       عقد جلسات الشورى
·       دار القضاء
·       منبر الدعوة
 أشهر المساجد:
ومن أشهر المساجد:
S     المسجد الحرام
S     المسجد النبوي الشريف
S     مسجد قباء
S     مساجد العراق
S     مسجد البصرة
S     مسجد الكوفة
S     جامع المنصور ببغداد
S     مساجد الشام
   {    المسجد الأقصى
   {    الجامع الأموي
S     مساجد مصر
     {    جامع الفسطاط
     {    جامع الأزهر
S     مساجد المغرب والأندلس
{    جامع القيروان بتونس
{    جامع الزيتونة
{    جامع قرطبة

 يُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ا

رتباطاً وثيقاً نظراً لعددٍ من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك الارتباط والتلازم ؛

لا سيما وأن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم الأول مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة

فقط بل كان أشمل من ذلك ؛ إذ كان جامعاً لأداء العبادات من الفرائض والسُنن والنوافل ،

وجامعةً للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء ، ومعهداً لطلب

العلم ونشر الدعوة في المجتمع ، ومركزاً للقضاء والفتوى ، وداراً للشورى وتبادل الآراء

، ومنبراً إعلامياً لإذاعة الأخبار وتبليغها ، ومنـزلاً للضيافة وإيواء الغرباء ، ومكاناً لعقد

الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله تعالى ، ومنتدُى للثقافة ونشر الوعي بين

الناس ، إلى غير ذلك من الوظائف الاجتماعية المختلفة .

وبذلك يمكن القول إن المسجد في الإسلام يُعد جامعاً وجامعةً ، ومركزاً لنشر الوعي في المجتمع ، ومكاناً لاجتماع المسلمين ، ولم شملهم ، وتوحيد صفهم . وهو بحق أفضل مكانٍ ، وأطهر بقعةٍ ، وأقدس محلِّ يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ، ليكون بإذن الله تعالى فرداً صالحاً في مجتمعٍ صالحٍ .
ولعل من أهم ما يُميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يُعطي التربية الإسلامية هويةً مميزةً لها عن غيرها ، وأنه مكانٌ للتعليم والتوعية الشاملة ، التي يُفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم ، وأعمارهم ، وثقافاتهم ، وأجناسهم ؛ إضافةً إلى فضل التعلم في المسجد ، وما يترتب على ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب . فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ، ونزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده " ( رواه ابن ماجة ، ج 1، الحديث رقم 225 ، ص 82
الأدوار التربوية والاجتماعية للمسجد :
أ) الرسالة الروحية للمسجد :
لما كانت التربية الإسلامية تعنى ببناء الشخصية المسلمة في إطار المجتمع المسلم بناءً متكاملاً، فإن المسجد يسهم في تحقيق هذا الهدف من خلال مناشطه المختلفة التربوية والاجتماعية. ويرجع ذلك إلى أن الإسلام دين اجتماعي يسعى إلى إيجاد المجتمع الصالح وتكوين الفرد الصالح، بل إن صلاح المجتمع لازم لصلاح الفرد لزوم التربة الخصبة لإنبات البذرة. فلا يتصور الإسلام الفرد المسلم إنساناً منعزلاً في خلوة أو راهباً في صومعة، بل يتصوره دائماً في جماعة حتى في عبادته لربه. ومن هنا هدفت المساجد في الإسلام إلى تحقيق هذه الصورة الاجتماعية القوية وإقامة المجتمع المتماسك الذي تربطه في المقام الأول روابط العقيدة.
لذا كان المسجد على عهد رسول الله  صلى الله عليه و سلم   مكاناً للعبادة والاعتكاف والتعليم والتوجيه، ومكاناً لتشاور المسلمين وتناصحهم فيما بينهم. وكان فيه التقاضي، وكان مقراً للقيادة وعقد ألوية الجيوش المجاهدة في سبيل الله، وتطبيب المرضى. فضلاً عن أنه كان مركزاً للتثقيف. كما كانت توثق به عقود الزواج، كذلك كان مكاناً لاستقبال الوفود والسفراء، إضافة إلى أنه كان يمثل داراً للإعلام، كما كان داراً للإغاثة والرعاية الاجتماعية.
وسوف نعرض فيما يلي هذه الأدوار بشيء من التفصيل :
من خلال المسجد يقوم الكيان الروحي للأمة، كما أنه الأساس لوجودها المادي. قال تعالى : { لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب الـمطَّهِّرين }
(1). فالمسجد يهذب نفس المسلم ويرقى بمشاعره ويبعث لديه السكينة والطمأنينة، كما أنه

يصل المسلم بربه ويطهر نفسه من الأنانية وحب الذات، وذلك قول الله سبحانه وتعالى :

{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبرُ }
(2)، والصلاة وقراءة القرآن تمنحان صاحبهما فيوضات ربانية ورحمات إلهية لا تنقطع، وتُباعد بين الإنسان والفواحش والمنكرات. قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }.
والمسجد يربط المسلم بربه ويتم فيه ذكر الله وطاعته. يقول تعالى : { في بُيوت أذن الله أن

ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيـع عن

ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتـقلب فيه القـلوب والأبصار }
( 3)، حيث تؤدى في المسجد الصلوات الخمس في جماعة، وكذلك صلاة الجمعة والجنازة وغيرها.
وفي المسجد يكون الاعتكاف، ومعناه عكوف القلب على الله تعالى طاعةً له. وكان رسول الله  صلى الله عليه و سلم   يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل. فالاعتكاف إحدى الوظائف الدينية للمسجد.
وفي المسجد يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك من خلال خطبة الجمعة والدروس والعظات التي تلقى فيه، وهذه الرسالة للمسجد لم تحرم المرأة من الصلاة، كما جاء في الحديث : >لا تمنعوا إماء الله مساجد الله.
ب) الرسالة التعليمية للمسجد :
إن الحديث عن الدور العظيم للمسجد في التربية والتعليم ونشر العلم والمعرفة بين المسلمين ماضياً وحاضراً، لا يعد انتقاصاً من دور الجامعات ومعاهد التعليم. كما لا يعد دعوة إلى قصر التعليم على التعليم المسجدي الذي كان سائداً في بعض المساجد، وإنما الهدف هو الكشف عن الدور الحقيقي للمسجد في الإسلام في ميدان التربية، فضلاً عن تفعيل هذا الدور وإمكانية الإفادة منه في وقتنا المعاصر. كما تجدر الإشارة إلى أن المسجد روح قبل كل شيء، ومتى وجدت هذه الروح في الجامعات والمعاهد والمداس وفي العالم الإسلامي، كانت قادرة على أداء دورها في إحداث النهضة وبث اليقظة ومحاربة الانحراف الديني والخلقي والسياسي والتربوي وغيرها من الانحرافات في أوساط المسلمين. وعندما يصبح معلمو المدارس ومديروها المشرفون صعليها على درجة عليا من الخلق والاستقامة والكفاءة، فإنهم سوف يؤدّون رسالة المسجد على أفضل وجه مهما كان نوع العلوم التي تدرس بالمساجد سواء كانت علوم الدين أو الدنيا
وقد أدرك الصحابة، رضوان الله عليهم، قيمة هذا
(1).
(1)علم هو أساس العملية الاربوية في الإسلام. ولقد ورد
 أن السيدة عائشة، رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم   : >إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً
(2).
وطلب العلم في الإسلام فريضة على كل مسلم ومسلمة، فهو مأمور بأن يتعلم الحلال والحرام، ليكون على نور من أمر دينه، وأول ما ينبغي عليه أن يتعلمه كتاب الله وسنة نبيه  صلى الله عليه و سلم   ليكون على بصيرة. يقول تعالى : { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }(1).
وقد حث النبي عليه السلام على تعلّم القرآن وتعليمه فقال : > خيركم من تعلم القرآن وعلمه<(2).  الأمر، فكانوا يجتمعون في


 المسجد، حول النبي  صلى الله عليه و سلم   لأخذ العلم من


منابعه. وقد حثهم النبي  صلى الله عليه و سلم   على تدارس كتا


ب
 الله في المسجد فقال : >ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون


كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم


الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده<(3).
فكان المسجد معهداً لتعلم القرآن وتعليمه وفهم آياته وأحكامه، كما كان معهداً لدراسة الأحاديث النبوية والتفقه فيها. وقد ظل المسجد إلى عهد قريب هو المدرسة لكل العلوم يجلس به العلماء والفقهاء والمحدثون ويتحلق من حولهم الطلاب ينهلون من علمهم وفقههم
(4).
ولقد ورد ما يدل على أن التعليم والتعلّم في المسجد أفضل من سائر الأمكنة، فقد روى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم   : >من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر لما ليس له<(5).
ولما تأسست الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، كان المسجد النبوي من أهم دعاماتها، وكان هو المؤسسة التعليمية الرسمية الأولى في هذا المجتمع الجديد. وإن معظم المسلمين كانوا يتعلمون في هذا المسجد تعاليم الدين، وما أوجبته الظروف المرتبطة بنشأة هذا المجتمع. فآيات القرآن الكريم وفرائض الدين والقوانين المنظمة لهذا المجتمع، وسبل حمايته عسكرياً وسياسياً وتنظيم علاقته بالمجتمعات المحيطة به (حرباً أو مهادنة)، كل ذلك يمثل المحتوى التعليمي لهذه المؤسسة.
ولهذه الأهمية التي يحظى بها التعليم في الإسلام، رغب النبي  صلى الله عليه و سلم   في ارتياد المسجد للتعلم. ففي الحديث الذي رواه مسلم : >أفلا يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد، فيتعلم أو يقرأ آية من كتاب الله عز وجل، خير من ناقتين وثلاث وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهم من الإبل<.
ومن أبرز ما يؤكد على أن المسجد كان مركزاً للتعليم والتوجيه، مجالس العلم التي كانت تعقد في مسجد الرسول، عليه السلام، ويتزاحم المسلمون عليها، ويتنافسون في القرب منه. فعن الحرث بن عوف أن رسول الله  صلى الله عليه و سلم   بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل إثنان إلى رسول الله وذهب واحد، فوقفا على رسول الله  صلى الله عليه و سلم  ، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً. فلما فرغ رسول الله قال : >ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيى من الله فاستحيى الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه<(1).
ولقد سلك صحابة النبي، عليه السلام، هذا النهج فكانوا يتدارسون القرآن في مسجده، ويتذاكرون فيه الحلال والحرام، ليتفقهوا في الدين. روى الطبراني بإسناد حسن عن أبي هريرة : >أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال : >يا أهل السوق ما أعجزكم !! قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال ذاك ميراث النبي، عليه السلام، يقسم وأنتم ها هنا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه. قالوا : وأين هو ؟ قال : فـي المسجد فخرجوا سراعاً. ووقـف أبو هريرة لم يبرح مكانه حتى رجعوا فقال لهم : ما بكم ؟ فقالوا : يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر شيئاً يقسم. فقال لهم أبو هريرة : وما رأيتم في المسجد أحداً ؟ قالوا : بلى، رأينا قوماً يصلون وقوماً يقرأون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة : ويحكم فذاك ميراث محمد  صلى الله عليه و سلم  <.
ج) المسجد وتعليم المرأة :
لقد خرجت المرأة إلى المسجد لتأخذ بحظها من العلم. روى البخاري أن النساء قلن للنبي  صلى الله عليه و سلم   : >غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك<، فعين لهن يوماً يلقاهن فيه ويعلمهن، ولقد أمر النبي بأن يكون للنساء باب يدخلن ويخرجن منه، فقال : اجعلوا هذا الباب للنساء< فسمي باب النساء.
وتجدر الإشارة إلى أنه لما انتشر الإسلام واتسعت الأمصار، تفرق هؤلاء المعلمون من الصحابة والتابعين ـ الذين تلقوا علمهم بالمسجد ـ في شتى الأنحاء والأمصار، وقاموا بحركة تعليمية مباركة. ولم يكن التعليم في هذا الوقت مهنة أو صناعة وإنما تعلم الصحابة والتابعون لغرض ديني هو القربى إلى الله وابتغاء مرضاته ونشر دعوته.
د) المسجد والمكتبة :
لما كان المسجد مدرسة للمسلم، وكان كثير من المسلمين لا تتوفر لديهم مصادر العلم لاسيما الفقراء والذين لا يجدون سَعَةً لشراء الكتب التي توسع آفاق معرفتهم، فإنه من الضروري أن تكون في كل مسجد مكتبة تمثل مركز إشعاع وتوجيه وتربية. وهذه المكتبة ينبغي أن تكون متنوعة تزود يومياً بالجديد من الكتب والبحوث والمجلات الهادفة ليكون المتردد على تلك المكتبة على صلة بكل جديد في الفكر وما يجري في العالم من تيارات فكرية. لذا فإنه يجب إعداد نشرة ثقافية توجيهية تهذيبية بما يجري في المِنْطَقَة المحيطة بالمسجد والمشكلات التي تطرأ عليها، على أن يشترك فيها المتخصصون في مجالات مختلفة مع الإمام. وهذه النشرة تعلق بداخل المسجد. كما يُغْني مكتبةَ المسجد وجودُ مكتبة سمعية بصرية، فالكلمة المقروءة والمسموعة حين تنطلق من داخل المسجد يكون لها تأثير في النفوس وتوجيه لكل عمل بناء في حياة البشر. ولعل تزويد المساجد بالمكتبات يمثل زاداً ثقافياً للمسلمين يقيهم شرور الفكر المسموم الذي يعرض عبر الكلمات المكتوبة تارة والمسموعة أخرى.
إن المسجد إذا أسهم في تكوين عقول المسلمين وتنمية ثقافتهم، فإن المجتمع بأسره يتجه نحو التنمية الشاملة من خلال شعاع المسجد وتأثيره الذي يتغلغل داخل النفوس المؤمنة.
هـ) المسجد دار إغاثة ورعاية اجتماعية وصحية :
لقد كان النبي  صلى الله عليه و سلم   يقسم الأموال الواردة إليه في المسجد على ذوي الحاجات، فإن لم تكن هناك أموال ـ وكان الناس في حاجة ـ دعا الأغنياء إلى البذل والإنفاق، وقام بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين في المسجد أيضاً. فقد حدث أن وفد على رسول الله قوم يشكون الفاقة والحاجة للثياب، فتغير وجه رسول الله حزناً عليهم ثم   صلى الله عليه و سلم   خطب في الناس حاثاً لهم على رعاية الرحم وتقديم الخير، فانهالت التبرعات من الدراهم والدنانير والثياب والبر والتمر حتى تكوم كومان عظيمان من الطعام والثياب، فتهلل وجه النبي عليه السلام وأعطى القوم صروراً.
هذا إضافة إلى توزيع الأموال الواردة إليه في المسجد  صلى الله عليه و سلم  ، فقد ورد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : >أُتي النبي  صلى الله عليه و سلم   بمال من البحرين فقال : انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أُتي به النبي، عليه السلام، فخرج رسول الله إلى الصلاة، ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحداً إلا أعطاه...< الحديث(1).
و) المسجد دار للغريب :
خصص النبي  صلى الله عليه و سلم   في مسجده مكاناً لإيواء الفقراء الذين ليس لهم بيوت، وعرف هذا بمكان أهل الصُّفَّةِ. وكان عددهم سبعين فرداً على رأسهم أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ وكان النبي ينفق عليهم من مال الصدقة وتبرعات أهل الفضل. ففي الحديث عن عثمان بن اليمان قال : لما كثر المهاجرون بالمدينة، ولم يكن لهم دار ولا مأوى، أنزلهم رسول الله المسجد، وسماهم أهل الصُّفَّةِ، وكان يجالسهم ويأنس بهم(2)، كما كان بالمسجد مسكن خاص لامرأة كانت تخدم حياً من العرب، ثم اتهموها بالسرقة فبرأها الله، وأسلمت فاتخذت خباء بالمسجد تسكن فيه وتتردد على أم المؤمنين عائشة في بيتها. فلقد عرف أهل الخير أن الغريب لابد أن يكون له مكان يأوي إليه فبنوا المضيفة، والرباط بجوار المسجد، ووقفوا عليها ما يضمن لها الاستمرار في أداء هذا الواجب.
ز) المسجد دار علاج وتطبيب :
لقد اتخذ النبي  صلى الله عليه و سلم   من المسجد مكاناً لعلاج المرضى، ففي غزوة الخندق لما أصيب سعد بن معاذ ضرب النبي ـ عليه السلام ـ له خيمة في المسجد يعالج فيها، وقام بتمريضه أهل الخبرة في هذا المجال، وهي رفيدة الأسلمية.
وفي الحديث عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال : >أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، في الأكحل ـ عرق في اليد ـ فضرب عليه رسول الله  صلى الله عليه و سلم   خيمة في المسجد ليعوده من قريب<(1).
ويدل هذا الأمر على أن المسجد لا يشكل عبئاً على المجتمع، وإنما يتفاعل معه بما يخدمه ويرقى به. ولما كان المريض في أشد الحاجة إلى ما يطمئن فؤاده، ويغرس فيه ضرورة الرضا بالقدر، والصبر على البلاء ويحقق صلته بالله مما يخفف عنه الألم ويذهب السقم. كل ذلك يؤكد على ضرورة أن يوجد مسجد بكل مستشفى يعين المرضى على أداء فريضة الصلاة، ويدعم الجانب الروحي فيهم(2)، فلقد ورد في الحديث الشريف : >ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه<(3).
ويتبين من هذا الأمر أيضاً مشاركة المرأة لجوانب العمل الاجتماعي دون خدش لحيائها أو تفريط في دينها. قال ابن إسحاق : >وكان رسول الله  صلى الله عليه و سلم   قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأةٍ من أسلم، يقال لها رفيدة، في مسجده كانت تداوي الجرحى، وتحتسب نفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وكان رسول الله  صلى الله عليه و سلم   قد قال لقومه حين أصابه السهم في الخندق : >اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب<(4). فالمرأة رائدة اجتماعية في ظل الإسلام شاركت في التعليم والتطبيب والحرب، ولم نسمع بأن النساء الفضليات في كثير من المجالات قدمن السفور أو التحلل ثمناً لمنصب أو لمظهر اجتماعي، كما نرى البعض اليوم تحت شعار حرية المرأة، أقول إن المرأة ما وجدت حريتها ولا كرامتها إلا في الإسلام.
ح) المسجد مكان لعقد الزواج :
سنَّ الرسول  صلى الله عليه و سلم   أن يعلن النكاح في المسجد، ويتم فيه عقده المبارك في ظل الجو الإسلامي المتسم بصفاء الروح بين جدران المسجد، حيث يشهد المسلمون الفرحة. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم   : >اعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف<(1) رواه الترمذي.
ولعل هذا يعود إلى أن النسب الذي يربط بين الأسر بعلاقات المودة والرحمة هو أول ما يحتاج إلى عقدٍ تامٍّ صحيح، ولاشك أن أطهر مكان يتم فيه هذا العقد هو المسجد، حيث يغشاه كثير من المسلمين، فيكون ذلك أدعى للمحافظة على هذا الزواج.
ط) المسجد دار القضاء :
اتخذ المسجد داراً للقضاء العادل بين المتنازعين، حيث يأمن فيه كل إنسان على نفسه ويطمئن إلى أخذ حقه.
قال الله تعالى : { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب. إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تُشْطِطْ واهدنا إلى سواء الصراط }(2).
قال الإمام القرطبي : >ليس ما في القرآن ما يدل على القضاء في المسجد أهمّ من هذه الآية، وبها استدل من قال بجواز القضاء في المسجد<.
وفي صحيح البخاري أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدور ديناً كان له في المسجد فارتفع صوتهما، حتى سمعهما رسول الله  صلى الله عليه و سلم   وهو في بيته فخرج إليهـما حـتى كـشف عـن سجـف حـجرته، فنادى : يا كعب، قال : لبيك يا رسول الله، قال : ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر. قال : لقد فعلت يا رسول الله، قال : قم فاقضه.
وعن إسماعيل بن أبي خالد قال : >رأيت شريحاً يقضي في المسجد< (البخاري).
وقد قال مالك : القضاء في المسجد من الأمر القديم. يعني في أكثر الأمور.
ي) الرسالة العسكرية للمسجد :
حين هاجر النبي  صلى الله عليه و سلم   شرع في بناء المسجد، وعمل مع أصحابه في تشييده، فكان هذا المسجد هو الثكنة العسكرية الأولى في الإسلام. فكان النبي يحشد أصحابه في المسجد ويحرضهم على الثبات في القتال.
وتنطلق الغزوات والسرايات من المسجد، ويجتمع الصحابة في المسجد حين يداهمهم خطر. كما أن المنتصرين في الغزوات والسرايا يعودون إلى المسجد، وتضمد جروح المصابين في المسجد(1). وكان المسجد أحياناً ساحة للتدريب العسكري، فقد روت عائشة أم المؤمنين أن الأحباش كانوا يتدربون في ساحات المسجد، وكان رسول الله  صلى الله عليه و سلم   يساعد عائشة على أن تراهم من حيث لا تواجههم.
كما أن المسجد ربَّى القادة الذين حفظ لهم التاريخ أمجادهم مثل قاضي القضاة "أسد بن الفرات" فاتح صقلية، و"صلاح الدين الأيوبي" الذي استعاد القدس من الصليبيين، و"قطز" قاهر التتار، و"محمد الفاتح" فاتح القسطنطينية.
فكل القادة الذين نجحوا في صد المعتدين أو أضافوا فتحاً جديداً على الفتوحات الإسلامية، كانوا ملتزمين بتعاليم الإسلام، وكانوا قدوة لجنودهم في التدين والاستقامة والعمل الصالح.
ولعل في صلاة الجماعة تدريباً عملياً على الضبط والنظام، فلها أهمية بالغة في إيقاظ روح النظام في نفوس المسلمين، فلقد كان المسجد في نشأته المسجد أول ميدان حقيقي للتدريب العسكري عند المسلمين، فما أحرانا أن نعود إلى المسجد لنجعل منه مكاناً لرفع المعنويات والسمو الروحي، لا بجعله ميداناً للتدريب، فإن لهذا مجاله المعروف في هذا العصر، وإنما لإحياء الرسالة الاجتماعية في إطار الضوابط واحترام ما يَتَوَاضَعُ عليه المجتمع.
ك) المسجد مكان لاستقبال الوفود والسفراء :
عرف المسجد أنه من أنسب الأماكن لاستقبال الوافدين من أبناء الإسلام وأهل الكتاب من أي مكان وفي أي وقت.
ولقد استقبل النبي  صلى الله عليه و سلم   العديد من الوفود في المسجد ومن بينها وفد عبد قيس، وكان من خبرهم أن الرسول  صلى الله عليه و سلم   كان جالساً بين أصحابه يوماً، فقال لهم : >سيطلع عليكم من هنا ركب هم خير أهل المشرق لم يكرهوا على الإسلام، قد أنضوا الركائب، وأفنوا الزاد، اللهم اغفر لعبد قيس< وتمت مقابلتهم بالنبي  صلى الله عليه و سلم  .
ومن الوفود التي قابلها النبي، عليه السلام، وفد سعد بن هذيم. قال النعمان عنهم : قدمت على رسول الله  صلى الله عليه و سلم   وافداً في نفر من قومي، وقد أوطأ رسول الله البلاد وأزاح العرب، والناس صنفان إما داخل في الإسلام راغب فيه، وإما خائف السيف، فنزلنا ناحية من المدينة، ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه، فوجدنا رسول الله  صلى الله عليه و سلم   يصلي على جنازة في المسجد، فقمنا خلفه ناصية، ولم ندخل مع الناس في صلاتهم، وقلنا : حتى يصلي رسول الله ونبايعه، ثم انصرف رسول الله  صلى الله عليه و سلم   فنظر إليـنا فدعا بـنا، فـقال : فمن أنتم ؟ فقـلنا : من بني سعد بن هذيم، فقال : أمسلمون أنتم ؟ فقلنا : نعم، فقال : هلا صليتم على أخيكم ؟ قلنا : يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز حتى نبايعك، فقال عليه السلام : أينما أسلمتم فأنتم مسلمون. فأسلمنا وبايعنا رسول الله بأيدينا.
وكان عليه السلام يقابل هذه الوفود في المسجد بما جبله الله عليه من البشاشة وكرم الأخلاق، ويجيزهم بما يرضيهم ويعلمهم الإيمان والشرائع ليعلموا من وراءهم. وكانت هذه الوفود أعظم صلة لإظهار الدين بين الأعراب في البوادي(1).
ل) الدور الإعلامي للمسجد :
كان المسجد يقوم بدور الإعلام، حيث كان السلاطين والملوك والأمراء كلما أصدروا مرسوماً من المراسيم الاقتصادية أو الاجتماعية نقشوه على حجر من الرخام ووضع بصدر المسجد من الداخل أو الخارج حيث يراه كل الداخلين إليه. وقد اختير المسجد مكاناً للإعلام والإعلان حيث إنه مكان اجتماع الناس للصلاة الجامعة والجماعة. وهذه المراسيم كانت تعالج بعض أوجه القصور الموجودة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها. ومن المراسيم الاجتماعية مرسوم صدر عن السلطان "برقوق بن أنس العثماني" أول سلاطين المماليك الشراكسة بمصر، عثر عليه المرحوم "حسن عبد الوهاب" وهو مثبت أمام باب المدرسة الأقبغاوية على يسار الداخل إلى الأزهر من باب المزينين. ونص هذا المرسوم :
>بسم الله الرحمن الرحيم، رسم بالأمر الشريف السلطاني الملكي، الظاهر أبو سعيد برقوق أعز نصره، أن موجود من يتوفى إلى الله تعالى من الفقراء المجاورين بالجامع الأزهر وأرباب وظائفه، ولم يكن له وارث شرعي، يكون لصالح الجامع الأزهر بمقتضى العلامة الشريفة بتاريخ سابع شهر ربيع الأول سنة 792<(1).
م) المسجد دار للشورى :
عندما لحق رسول الله بالرفيق الأعلى اجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد وتجادلوا فيمن يكون خليفة، هل يكون من المهاجرين أم من الأنصار ؟، وانتهى الحوار والجدال بمبايعة الصديق أبي بكر خليفة لرسول الله  صلى الله عليه و سلم  .
وقد شاور أبو بكر الصحابة في أن يكون عمر خليفة من بعده، وقد وافقوا على ما اختاره أبو بكر، وتمت بيعة عمر في المسجد. وعندما طعن عمر أوصى أن يكون الخليفة واحداً من الصحابة الستة الذين بشرهم الرسول  صلى الله عليه و سلم   بالجنة، وجعل ابنه عبد الله معهم مرجحاً لفريق على آخر إذا تساوى الفريقان، على أن لا يكون الخليفة، وأخيراً بايع الصحابة عثمان رضي الله عنه بالخلافة، وكان ذلك في مسجد رسول الله  صلى الله عليه و سلم  ، ولما قتل سيدنا عثمان اجتمع الأنصار والمهاجرون في مسجد رسول الله  صلى الله عليه و سلم   لينظروا من يولونه أمرهم حتى غص المسجد بأهله، فاتفق رأي عمار وجمع كبير من الناس على إقعاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الخلافة. وأعلن الأمر بين المهاجرين والأنصار، ورضي الجميع إلا نفراً قليلاً، فأتوا علياً ـ رضي الله عنه ـ فاستخرجوه من داره، وسألوه بسط يده فقبضها فتداكوا عليه تداك الإبل إليهم على ولدها، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً، فلما رأى منهم ما رأى، سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس، وقال : إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر، فنهض الناس معه حتى دخل المسجد، فكان أول من بايعه طلحة، ثم بايعه رجال الزبير، وهكذا تمت البيعة في المسجد(2).
ل) المسجد ونظافة البيئة :
لما كان الإسلام يهتم بالبيئة ونظافتها، ووعد بالأجر والثواب لمن عني بها، كانت المساجد أولى البقع بهذه النظافة، الأمر الذي ينعكس على سلوكيات الأفراد خارج المسجد.
ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم   : >عرضت عليَّ أعمال أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد<(1).
كما كرم النبي  صلى الله عليه و سلم   امرأة تكريماً عظيماً لأنها كانت تخدم المسجد وتقوم على نظافته، وإخراج التراب منه.
ففي الحديث الذي رواه أبو الشيخ الأصبهاني عن عبيد الله بن مرزوق قال : >كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد (أي تكنسه) فماتت، فلم يعلم بها النبي عليه السلام، فمر علـى قبـرها فقال : ما هـذا القبر ؟ فقالوا : قـبر أم محـجن. قال : التـي كانت تقـم المسجد ؟ قالوا : نعم. فصف الناس فصلى عليها، ثم قال : أي العمل وجدتِ أفضل ؟ قالوا : يا رسول الله : أتسمع ؟؟ قال : ما أنتم بأسمع منها. فذكر أنها أجابته : قمَّ المسجد(2).
فلقد نالت المرأة هذا التكريم من صلاة النبي عليها وصف الناس قبرها والدعاء لها بالخير والرحمة، وذلك بفضل خدمة المسجد وتنظيفه.
وفي هذا الإطار يقول الله سبحانه وتعالى مؤكداً على النظافة والتجمّل من أجل بيئة نظيفة خالية من التلوث يسعد فيها الفرد والمجتمع على السواء : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين }(3).
وهكذا ينبغي أن تبقى بيوت الله نظيفة، تفوح منها الروائح الزكية التي تساعد على ارتيادها للصلاة فيها، وللاعتكاف فيها وأداء شعائر الله وفرائضه.
فالمسجد يربي المسلم على النظافة والنظام وغيرها من القيم البيئية التي نحتاج إليها في حياتنا.
 س) المسجد بإدارته :

تعتمد فاعلية المسجد في المجتمع على فاعلية إمامه، فالمسجد ليس بقوة المبنى ولا بسعة المكان. فقد يكون المسجد صغيراً جداً ورواده بالآلاف وخدماته ملموسة لأفراد المجتمع، يوجد فيه الإمام داعية مخلصاً واسع المدارك فاهماً لدينه، متفهماً لقضايا مجتمعه، يلتحم بالجمهور، يشاركهم الرأي والفرح والمصيبة، يقوم بدوره طبيباً لمعالجة مرضى القلوب واضطراب النفوس، يعمل بما أوتي من حكمة على إيجاد الأمن والإيمان في المجتمع، كما أنه مصلح اجتماعي يقود الجماهير إلى العلم الاجتماعي بجوانبه المختلفة.
والإمام هو الصورة المشرقة بالأمل، النابضة بالحركة، الأسوة في كل عمل صالح، ورسالته مستقاة من رسالة الأنبياء والمرسلين ومهمته خطيرة. وإذا كان المسجد يقدم للمجتمع العناصر الطيبة، فإن الذي يدير عجلة هذا المصنع ويقودها إنما هو الإمام.